الأربعاء، 28 يوليو 2010

رسائل مبكية من كلام الحسن البصري رحمه الله (1)


 
 

 

من الحسن البصري إلى كل ولد آدم

• يا ابن آدم

عملك عملك

فإنما هو لحمك و دمك

فانظر على أي حال تلقى عملك .

 

• إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها :

صدق الحديث

ووفاء بالعهد

و صلة الرحم

و رحمة الضعفاء

وقلة المباهاة للناس

و حسن الخلق

وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله

• يا ابن آدم

إنك ناظر إلى عملك غدا

يوزن خيره وشره

فلا تحقرن من الخير شيئا و إن صغر

فإنك إذا رأيته سرك مكانه.

ولا تحقرن من الشر شيئا

فإنك إذا رأيته ساءك مكانه.

فإياك و محقرات الذنوب.

• رحم الله رجلا كسب طيبا

و أنفق قصدا

و قدم فضلا ليوم فقره و فاقته.

• هيهات .. هيهات

ذهبت الدنيا بحال بالها

وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم

• أنتم تسوقون الناس

والساعة تسوقكم

و قد أسرع بخياركم

فماذا تنتظرون ؟!!

• يا ابن آدم

بع دنياك بآخرتك ..

تربحهما جميعا

و لا تبيعن آخرتك بدنياك ..
فتخسرهما جميعا.
• يا ابن آدم
إنما أنت أيام !
كلما ذهب يوم ذهب بعضك

فكيف البقاء ؟!

• لقد أدركت أقواما ..

ما كانوا يفرحون بشئ من الدنيا أقبل

و لا يتأسفون على شئ منها أدبر

لهي كانت أهون في أعينهم من التراب
فأين نحن منها الآن ؟!

• إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه
يقول : ما أردت بكلمتي ؟

يقول  : ما أردت بأكلتي ؟

يقول : ما أردت بحديث نفسي ؟

فلا تراه إلا يعاتبها

• أما الفاجر :

نعوذ بالله من حال الفاجر.

فإنه يمضي قدما

و لا يعاتب نفسه ..

حتى يقع في حفرته

وعندها يقول :

يا ويلتى

يا ليتني ..

يا ليتني ..

و لات حين مندم !!!

• يا ابن آدم

إياك و الظلم

فإن الظلم ظلمات يوم القيامة

و ليأتين أناس يوم القيامة

بحسنات أمثال الجبال

فما يزال يؤخذ منهم

حتى يبقى الواحد منهم مفلساً

ثم يسحب إلى النار ؟

• يا ابن آدم

إذا رأيت الرجل ينافس في الدنيا..

فنافسه في الآخرة

• يا ابن آدم

نزّه نفسك

فإنك لا تزال كريما على الناس

و لا يزال الناس يكرمونك ..

ما لم تتعاط ما في أيديهم

فإذا فعلت ذلك :

استخفّوا بك

و كرهوا حديثك

و أبغضوك

• أيها الناس:

أحبّوا هونا

و أبغضوا هونا

فقد أفرط أقوام في الحب..

حتى هلكوا

و أفرط أقوام في البغض ..

حتى هلكوا .

• أيها الناس

لو لم يكون لنا ذنوب إلا حب الدنيا

لخشينا على أنفسنا منها

إن الله عز وجل يقول :

{تريدون عرض الدنيا و الله يريد الآخرة }( الأنفال : 67 )

فرحم الله امرءاً ..

أراد ما أراد الله عزّ و جلّ .

• أيها الناس

لقد كان الرجل إذا طلب العلم :

يرى ذلك في بصره

و تخشّعه

و لسانه

ويده

وصلاته

و صلته

وزهده

أما الآن .. !!

فقد أصبح العلم ( مصيدة )

و الكل يصيد أو يتصيد

إلا من رحم ربك

و قليل ما هم.
• توشك العيـن تغيـض    و البحيرات تجفّ.

بعضنا يصطاد بعضاً       و الـشباك تختلف.

ذا يجئ الأمر رأسـا       ذا يدور أو يلف.

و الصغير قد يعــف        و الكبير لا يعف.

و الإمام قد يســــــف      والصغير لا يسف.

و الثياب قد تصــــون     و الثياب قد تشف .

و البغي قد تـــــداري     سمــها و تلتـــحف.

و الشتات لا يزال ..       يأتلف و يختلف .

و الخطيب لا يزال ..     بالعقول يستخف .

و القلـــوب لا تزال..     للشمال تنحرف .

و الصغير بات يدري..    كيف تؤكل الكتف .

لا تخادع يا صـديقي       بالحقيقة اعتـــرف.

• لقد رأيت أقواما..

كانت الدنيا أهون عليهم من التراب

و رأيت أقواما ..

يمسي أحدهم و ما يجد إلا قوتا

فيقول :

لا أجعل هذا كله في بطني !

لأجعلن بعضه لله عز وجل !

فيتصدق ببعضه

وهو أحوج ممن يتصدق به عليه !

• يا قوم

إن الدنيا دار عمل

من صحبها بالنقص لها و الزهادة فيها

سعد بها و نفعته صحبتها .

ومن صحبها على الرغبة فيها  و المحبة لها

شقي بها .

و لكن أين القلوب التي تفقه ؟

و العيون التي تبصر ؟

والآذان التي تسمع ؟

• أين منكم من سمع ؟!!

لم أسمع الله عزّ و جلّ..

فيما عهد إلى عباده

و أنزل عليهم في كتابه :

رغب في الدنيا أحدا من خلقه

و لا رضي له بالطمأنينة فيها

و لا الركون إليها

بل صرّف الآيات

و ضرب الأمثال :

بالعيب لها

و الترغيب في غيرها

• أفق يا مغرور

تنشط للقبيح

و تنام عن الحسن

و تتكاسل إذا جدّ الجد !!!

• القلب ينشط للقبيح ..      وكم ينام عن الحسن

يا نفس ويحك ما الذي ..    يرضيك في دنيا العفن ؟!

أولى بنا سفح الدموع ..     و أن يــجلبــبنا الحـــزن

أولى بنا أن نرعــوي        أولى بنا لبس ( الكفــــن)

أولى بنا قتل ( الهوى )     في الصدر أصبح كالوثن
فأمامنا سفر طويل ..        بــــعده يأتــــي الســــكن

إما إلى ( نار الجحيم ) ..  أو الجنان : ( جنان عدن )

أقسمت ما هذي الحياة..     بها المقام أو ( الوطـــن)

فلم التلوّن و الخداع ؟      لم الدخول على ( الفتن ) ؟!

يكفي مصانعة الرعاع ..    مع التقلـــب في المحن

تبا لهم مــن مــــعشر       ألفوا معاقرة ( النــــتن)

بينا يدبّر للأمــــــين        أخو الخيانة ( مؤتمن ) !

تبا لمن يتمـــــــلقون        و ينطوون على ( دخن )

تبا لهم فنفـــــــــاقهم        قد لطّخ ( الوجه الحسن)

تبا لمن باع ( الجنان )     لأجـــــل ( خضراء الدمن)

• أفيقوا يأهل الغفلة

فالقافلة قد تحركت

و عند الصباح ..

يحمد القوم السّرى

{أفأمن أهل القرى أن يأتيها بأسنا بياتاّ وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى

وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } ( الأعراف : 97-99)

• لا يزداد المؤمن صلاحا..

إلا ازداد خوفا

حتى يقول : لا أنجو !

أما الفاسق فيقول : الناس مثلي كثير

و سيغفر لي  ، و لا بأس علي  ، فرحمة الله واسعة

والله غفور رحيم !

أكمل يا مغرور

ولا تقل : فويل للمصلين !

{قال عذابي أصيب به من أشاء  و رحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة و الذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول

 

النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف  و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث

 

و يضع عنهم إصرهم  و الأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه  أولئك هم المفلحون }

 

 ( الأعراف : 156-157)


واقرأ يا مغرور !


{ إن رحمة الله قريب من المحسنين } ( الأعراف : 56 )

و اقرأ يا مغرور :


{ و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً ثم اهتدى }( طه : 82 )


و اقرأ يا مغرور :

{ فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم } ( غافر : 7 )

و لكن الفاسق المغرور

يخدع نفسه


فيؤجل العمل

و يتمنى على الله تعالى.


• تباً لطلاب الدنيا

وهي دنيا !!!


و الله لقد عبدت بنو إسرائيل الأصنام


بعد عبادتهم للرحمن


و ذلك بحبهم للدنيا

• و الله ما صدّق عبد بالنار..

إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت

و إن المنافق المخدوع :


لو كانت النار خلف هذا الحائط


لم يصدق بها ..

حتى يتهجم عليها فيراها !

• القلوب .. القلوب

إن القلوب تموت و تحيا

فإذا ماتت :


فاحملوها على الفرائض


فإذا هي أحييت :


فأدبوها بالتطوع .


• المؤمن !!! ما المؤمن ؟


و الله ما المؤمن بالذي يعمل شهراً


أو شهرين


أو عاماً

أو عامين


لا و الله


ما جعل الله لمؤمن أجلا ..

.. ( دون الموت )

• الذنوب


و هل تتساوى الذنوب؟


إن الرجل ليذنب الذنب فما ينساه


وما يزال متخوفا منه أبدا


حتى يدخل الجنة


• الدنيا .. وهموم الدنيا

و التحسر على ما فات


يجعل الحسرة حسرات.

• إن المؤمن إذا طلب حاجة فتيسرت ..


قبلها بميسور الله عزّ و جلّ

و حمد الله تعالى عليها

و إن لم تتيسر .. تركها


و لم يتبعها نفسه


• ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير و ليس ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء شكر: فكان خيرا له


و إن أصابته ضراء صبر : فكان خيرا له ) .

 
• نعمت الدار كانت ( الدنيا ) للمؤمن


و ذلك أنه عمل قليلاً


و أخذ زاده منها إلى ( الجنة ) .

و بئست الدار كانت للكافر و المنافق


ذلك أنه تمتع ( ليالي )

و كان زاده منها إلى ( النار ) .


{ فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }( آل عمران : 185 )

• إن المؤمن قوّام على نفسه

يحاسب نفسه لله عزّ و جلّ


و إنما خفّ الحساب يوم الحساب ..

على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا

و إنما شق الحساب ..

على قوم أخذوها من غير محاسبة .

• يا قوم


تصبروا و تشددوا

فإنما هي ليالٍ تعد


و إنما أنتم ركب وقوف

يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب

 

فيذهب به و لا يلتفت


فانقلبوا بصالح الأعمال .


• إن هذا الحق قد أجهد الناس


و حال بينهم وبين شهواتهم


و إنما صبر على الحق :

من عرف فضله و رجا عاقبته.

 
• أفق يا مغرور من غفلتك


و ابك على خطيئتك.


إذا خاف ( الخليل ) ..


و خاف ( موسى ) ..


كذا خاف ( المسيح ) ..

و خاف ( نوح ) ..


وخاف ( محمد) خير البرايا

فمالي لا أخاف و لا أنوح ؟!


• و يحك يا ابن آدم


هل لك بمحاربة الله طاقة ؟!


إنه من عصى ربه فقد حاربه !


• يا هذا


أدم الحزن على خير الآخرة


لعله يوصلك إليك .


وابك في ساعات الخلوة

لعل مولاك يطلع عليك فيرحم عبرتك


فتكون من الفائزين .

• يا هذا


رطّب لسانك بذكر الله

وندّ جفونك بالدموع ..

من خشية الله

فوالله ما هو إلا حلول القرار :

في الجنة أو النار


ليس هناك منزل ثالث

من أخطأته الرحمة

صار و الله إلى العذاب .

 
• السنة .. السنة


وطّنوا النفوس على حبها


وتعظيمها


و الحنين إليها


فقد جاء في الأثر :


لما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ..

حنّت الجذع ..


كما يحنّ الفصيل إلى أمه

و بكت بكاء الصبي !!


يا عباد الله !


الخشبة تحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم


شوقاً إليه !


فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه .

• و اعلم يا هذا


أن خطاك خطوتان :


خطوة لك


و خطوة عليك


فانظر أين تغدو ؟


و أين تروح ؟


• الموت .. الموت


 

{ كل نفس ذائقة الموت } ( آل عمران : 185 ) ( الأنبياء : 35 ) ( العنكبوت : 57 )


يحق لمن يعلم :


أن الموت مورده


و أن الساعة موعده


و القيام بين يدي الله تعالى مشهده

يحق له أن يطول حزنه .

• يا هذا


صاحب الدنيا بجسدك


وفارقها بقلبك


و ليزدك إعجاب أهلها بها ..

زهدا فيها


و حذرا منها


فإن الصالحين كانوا كذلك .


• { كل نفس ذائقة الموت }


فضح الموت الدنيا


فلم يترك لذي لب فرحا .

 
• و اعلم يا هذا


أن المؤمن في الدنيا كالغريب

 
لا يأنس في عزها

 
و لا يجزع من ذلها


للناس حال


و له حال .

• و احذر ( الهوى )


فشرُ داء خالط القلب : الهوى

• و احرص على العلم

و أفضل العلم :


الورع و التوكل

• و اعلم


أن العبد لا يزال بخير

ما إذا قال.. قال لله

و إذا عمل .. عمل لله


• واعلم


أن أحب العباد إلى الله ..


الذين يحببون ( الله ) إلى عباده


و يعملون في الأرض نصحا .


• و احذر الرشوة


فإنها إذا دخلت من الباب ..

خرجت الأمانة من النافذة


• و احذر الدنيا


فإنه قلّ من نجا منها

وليس العجب لمن هلك ..


كيف هلك ؟


و لكن العجب لمن نجا ..

كيف نجا ؟!


فإن تنج منها


تنج من ذي عظيمة

و إلا فإني لا أخالك ناجيا .

ورغم هذا


فالدنيا كلها :


أولها و آخرها


ما هي إلا كرجل نام نومة


فرأى في منامه بعض ما يحب

 
ثم انتبه !!!


• كيف نضحك ؟

و لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا


فقال :


لا أقبل منكم !!

• يا هذا


بع دنياك بآخرتك ..


تربحهما جميعا .


و لا تبع آخرتك بدنياك ..

فتخسرهما جميعا .

• يا هذا


كفى بالموت واعظا

و رب موعظة دامت ساعة

 
ثم تنقضي


و خير موعظة ما دام أثرها

• نراع إذا ( الجنائز ) قابلتنا

و يحزننا بكاء الباكيات


كروعة ثلة لمغار سبع

فلما غاب :


عادت راتعات !!

 
 
-------------------

(1) من كتاب رسائل مبكية من كلام الشيخ الحسن البصري للمؤلف فتحي بن فتحي الجندي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق